ADS HERE |
قالوا عن قرية ديمشلت --- تعرف على قرية ديمشلت
فى البداية أحب أن أعبر عن امتنانى لكل شخص متميز من قريتى لأنه يجعلنى أفخر ببلدتى ديمشلت dimeshalt
ليس من المعتاد أن تسمع الأذن اسم - ديمشلت - بكسر الميم وتشديد الشين بالفتحة، دون أن يطرح السامع أكثر من استفسار عن طبيعة ومعنى هذا الاسم، ديمشلت اسم قريتى التى ولدت فيها وعشت بين ربوعها أحداث صباى، قرية تبعد مسافة احدى عشر كيلومترا شمال شرق مدينة المنصورة عاصمة الدقهلية.
ADS HERE |
هناك كثير من التفاسير لاسم ديمشلت، بعضهم يقول إنه اسم فرعونى،
أصحاب هذا التفسير يطرحون فكرة أن مصر بلد فرعونى قديم ومستقرة
غالبية قراه ومدنه، وهذا وارد تماما فعصر الفراعنة امتد على
أرض مصر أكثر من ثلاثة آلاف عام ما بين كل من الدولة القديمة
والوسطى والحديثة، وأثار الفراعنة تقع جغرافيا على مقربة من
قريتى، إنها آثار بنى سلام على بعد حوالى خمسة وعشرين كيلومترا
جنوب شرق قريتنا.
يقولون أن ديمشلت اسم محرف لكلمتين منفصلتين هما، دم - تجلط ،
وحين تم ضمهما أصبح الاسم ديمجلت بتشديد الجيم، وهو الاسم الذى
تحمله قريتنا على خرائط المساحة الحكومية التى وضعت فى القرن
العشرين، أصحاب هذا التفسير يرجعون الاسم إلى دماء سالت وتجلطت
فى معارك دارت بين الفرنسيين وأهل المنصورة فى القرن الثانى
عشر الميلادى أثناء الحروب الصليبية على مصر، ولهذا التفسير
وجاهته، فقريتنا تقع على بعد ستة كيلومترات من قرينة الريدانية
على شاطئ النيل الشرقى فرع دمياط حيث دارت معارك طاحنة فى ذلك
العصر.
يقولون أن اسم ديمشلت هو تحريف سببه تشابه فى المواقف والوقائع
بين ما حدث فى التاريخ لقريتنا وبين قرية - ديم اللاش أو
ديملاش - الواقعة على مقربة عشرة كيلومترات شمال غرب مدينة
المنصورة على الجانب الغربى من النيل.
أيا ما كانت المسميات والأسباب التى جعلت من ديمشلت اسما
لقريتنا، فإن التاريخ الحى الذى عشته في ديمشلت يسرد على
ذاكرتى كثيرا من الأحداث والوقائع ذات المغزى.
قبل خمسين عاما، كان عدد سكان ديمشلت أقل من خمسة ألاف نسمه،
براحها كان واسعا به أجران درس وبيوت وزرائب كثيرة، بيتنا كان
بالطوب الأحمر والأسمنت المسلح فى حارة الرملة بحرى البلد،
وقتها كانت بيوت ديمشلت الأسمنتية لا تزيد على عشرة بيوت
والبقية الباقية من البيوت مبناة من الطين أو الطوب الأحمر،
اسم حارة الرملة كان انتسابا لبقعة من رمال وقعت على شاطئ بركه
صنعتها أثار الفيضان السنوى للنيل على ديمشلت، كان واردا بعض
التصارع والتنافس بين أهل ديمشلت فحين أسمينا أنفسنا سكان حارة
الرملة أطلق علينا بقية أهل ديمشلت اسم سكان البركة، وحين كبرت
ديمشلت وامتدت مساكنها شمالا، أطلق أهلها على امتدادها السكنى
الجديد اسم كفر النقص بتشديد النون والقاف، من نقص بيوته
واستخفافا بالقدرة الاقتصادية لغالبية سكانه، وفى المقابل كان
السكان الجدد فى كفر النقص يطلقون على بقية مناطق ديمشلت إنها
بلد النقص.
كان فى وسط ديمشلت منخفض كبير يرشح بعض الماء فى الشتاء وحين
أقيمت به قليل من مساكن الفقراء أسمينا سكانه أهل النقرة، وعلى
حافة النقرة تواجد شارع ضيق ومتفرد أسميناه الشرم بتشديد الشين
وتسكين الراء، لا يزيد طوله عن عشرين مترا يصل بين حارة النقرة
وحارة وسط البلد لا يزيد عرضه على مترين فلا يمر فيه شخصان فى
اتجاهين متقابلين دون أن يتماسا وتعبره حيواناتنا منفردة، شارع
الشرم دارت حوله كثير من أحاديث الجدات وصناعة الأساطير فامتلأ
ليلا بعفاريت تتشكل فى أرانب وقطط السوداء وحمير طويلة لا
يركبها غير الأولياء والشياطين، وكان الشرم معبرا لجنيات
السواقى واللقاءات السرية للأحبة ولصوص أوعية النحاس وطشوت
الغسيل وجرار الدقيق، وحمل الشرم لديمشلت عشرات الحكايات من
القتلى والبغايا والمشوهين يمرون فيه طوال الليل من بعد العشاء
حتى آذان الفجر، هكذا كان الشرم هو المكان الرهيب لاختباء
الأولاد الكبار حين يلاعبونا الاستغماية.
ديمشلت قسمها شارع كبير إلى قسمين، بحرى البلد الملئ بالأثرياء
وقبلى البلد الملئ بالفقراء، ذلك الشارع دارت فيه معارك كثيرة
بين سكان بحرى وقبلى وسالت فيه دماء وطلقت زيجات فأسميناه شارع
الخراب، وحين نشأ فى بحرى بلدنا مقامين لأولياء قيل إنهم
صالحون لم يهدأ سكان قبلى بلدنا فى الجانب الأخر من الخراب حتى
أقاموا قبرا ومولدا لولى آخر وأقاموا بجواره نصف جامع ومضيفة
يستقبلون فيها الأغراب وضيوف المآتم.
لعبت الكلاب دورا حاسما فى سيرة حياة ديمشلت، كلابنا تسرح وراء
بهائمنا للحقول وتسهر عند السواقى وتنبح وراء مسحراتية شهر
رمضان، تحرس بيوتنا وتعض أطفالنا ونتشاءم بالإناث منها خصوصا
كلبة خالتى زهرة، كانت كلبة خالتى زهرة كلبة سوداء كسرت رجلها
الخلفية فى علاقة جنسية مشهودة مع كلب غريب وسط القرية وفى
لحظة الاشتباك الحميمة طاردهما بعض من حراس القيم والموتورين
جنسيا وكسروا رجل كلبة خالتى زهرة وتولى الأطفال مهمة طرد
الكلب الغريب بعيدا عن حمى أرض ديمشلت، لكن الكلبة الدءوب
انتقمت من الجميع فعاشت سنوات وسنوات تطارد القطط وتختبئ عن
العيون فى وصالها المحموم مع كلاب غريبة وقريبة وذئاب وتعاشر
بعض الثعالب وملأت شوارع ديمشلت بنسل متباين من كلاب الحراسة
والكسل والزهو الضعيف.
لعبت المقابر دورا كبيرا فى حياة ديمشلت، فى وضح النهار وبعض
من الليل تدفن جثث الأطفال والآباء والأجداد، جثث القتلى
والثأر والعار لا تدفن فى العلن، مقابرنا تضم أعمال سحر للخراب
وفك المربوط وربط القوى وإصابة الحمل وتسهيل ولادة الذكور
وزيادة اللبن فى أثداء نسائنا وجاموسنا، وتلعب أعالى أشجار
الكافور والجميز والتوت ومفارق الطرق ودورات مياه الجوامع دورا
سريا فى الاحتفاظ بتعاويذ ديمشلت صاحبة الجموح والطموحات غير
الشرعية.
كل هذه الأحداث مرت على ذاكرتى فى شريط رائع حين زرت قريتى
ديمشلت خلال الأيام الماضية فى زيارة شوق بعد أن جاوز عمرى
الستين عاما.
الآن ديمشلت قرية يزيد عدد سكانها على ثلاثين ألف نسمة تخلصت
كثيرا من ثيابها التراثية الفلكلورية، تتراص فى غير جمال
مبانيها الأسمنتية الضيقة على شوارع وحوارى من طين وتراب وعراء
أشجار، هكذا أصبحت ديمشلت قرية تتراقص على مشارف المدن
الفقيرة.
نحن فى كل أرجاء مصر بحاجة لتسجيل تراثنا الحضارى الذى عشناه
فى بيوتنا وكفورنا وقرانا ومدننا قاصدين فى كل الوقت أن يكون
التسجيل علميا بهدف تأصيل آليات انتمائنا إلى كل بقعة فى
بلادنا.إن وقائع جدلنا مع الحياة يحتاج إلى جهود علمية وفنية
لفحص وتسجيل ما هو موجود من تراثنا نصا وشفاهة وبحثا لكل دروب
حياتنا المعلنة والسرية، واننى أهيب بالجمعيات الأهلية ومراكز
الشباب والبؤر الثقافية فى القرى والمدن أن تقوم بهذا العمل
الجليل، هكذا تفعل كل المدن والقرى فى البلاد المتحضرة، فنحن
لدينا ثراء تراثى نهدره بينما يسعى الآخرون لإضافة تراث فوق
تراثه